بدأت المعركة. كان محمّد شجاعاً ومقداماً لم يتعب، ولم تخبُ للحظة الحماسة لديه، وعندما طلب إليه مسؤوله العودة، رفض ورسّخ قدميه في الأرض. طالت المعركة، وبدأت الذخيرة تنفد. استشرس التكفيريّون في القتال، فكان لا بدّ من خطّ انسحاب، وكان لا بدّ من تغطية آمنة..
وقف محمّد فادياً رفاقه بنفسه، وفتح نيرانه ناحية الأعداء، والرفاق يعبرون على صوت أزيز رصاصه بأمان. كان قبل ليلة قد قال لمسؤوله إنّ طعام الجنّة أطيب من طبخه، ولمّا فتح الجهاز ليعطي آخر إحداثيّاته، ذكّره قائلاً: "ألم أقل لك يا حاجّ إنّ طعام الجنّة أطيب؟".
وسكت رصاصه بطلقة قنصٍ أصابته في نحره. تدفّق الدم على البدلة العسكريّة التي كوتها خطيبته جيّداً بناءً على طلبه، والتي كان قد وضعها في حقيبته كبدلة احتياطيّة، فكانت بدلة "عرسه" المقرّر بعد شهرين.. لم يسمع محمّد أصوات رفاقه وهم يصرخون "كرّار".. سحبه التكفيريّون وأسروا جثمانه، وبعد تسعة أشهر عاد ليسكن في ضريحٍ بالقرب من ضريح صديقه الحميم الشهيد حسين كمال حمّود، الذي بحث كثيراً عن جثمان رفيقه.
وتزاحمت قلوب الناس صوبه، كلٌّ يريدُ أن يأخذ قطرة من رائحة العشق العابقة بجنازته. كان موكب عرسٍ جميل، ببدلة كوتها له خطيبته جيّداً.
* مجلة بقية الله