سلامٌ لروحِك الحائمة حوْل أحبابٍ انتظروا عودة يوسُفهم، أيامٌ و شهورٌ مضتْ و هم في الانتظار، ما ذابتْ شَمعة ليلهم و لا انطفأ فانوس السحر، فأنت كنت كاتباً لقصتك و للاقدار، شهادة فتشييع بعد عودة من الأسر..
ليسَ في عودة الجثمانِ عودة الذكرى، فذكراكَ ما انمَحتْ مِن القلوب الحَرّى، و لَكن نظرةٌ إلى عيْنيك غايةٌ أخيرة، فلا تنْسى أنْكَ رَحَلت من دونِ وداع ..
بالزَغاريدِ استَقْبلوك، جسداً يَشِعُ النورُ مِن كلِ أطرافِه، الكلُ انْدَفع نحوَك، فلَست أنت بأيِّ طلعة، إنك أنت البدرُ الذي ما انخسَف يوماً... بالرداءِ الأصفرِ لفّوك، بلْ أنتَ منْ لففتَ نفْسَك، فلست أنت بعاجزٍ و إن صرْتَ جسداً، روحَك هنا، بيننا، تحْمِل معنا نعشَك، و تلبّي معَنا عمّتَكْ، صرخاتٌ و تلبياتٌ و أكُفْ، صوتك سمعناه يهْتِفُ معنا "لبيّكِ يا زينَبْ"،و دمُوعك انهمرتْ مع دموعِنا، فهي ابنة مكسورةُ الأضلاعِ و القلب..
وصَلنا يا مُحَمْد، و وصَلتِ الأمانةُ الى مثْوَاهَا، رِفاقكَ أنزلُوكَ جنتَك، أتَراهُم كيْف يبْكُون؟ أتراهُم كيف يودِعُون؟ .. أُمك تقدَمت نحْوَك، تمْسِكُ عروسَك من يَدها، تَضَعُ روحَها أمانةً عِنْدَ روحك، و قَلبها مؤنساً عند قبرك، أخبرْنا ماذا همسَت في أذُنيك؟! أخبِرنا عن أي شَكْوى حدثتك؟ .. أحضَنتها؟ أمسَحت دموعها؟ أقبَّلْت جبينَها؟ أهوَّنْت مُصَابها؟ أراها قامَت بعزمٍ و شدة، أأنتَ منْ سانَدتها؟ أجل و حق غُربتك أنت بيْننا ...
مُحَمد، أخوتك يهمِرون الترابَ فوقَ الجسَد، الكلُّ يَتَرَقَب، انه وقتُ التزوّد، التزوّد من النَظَرات، فمن يَدْري أيها تكون الأخيرة.. مع كلِّ حبةِ تراب، تَنهَمِر دمعتان، دمعةٌ من حبيب و دمعةٌ من عينيك، فأنت لا تُطيقُ دُموعَ الأحباب.. هاهو بيَاضُ الكَفن يخْتفي، والأملُ يخْتَفي مَعه، قد صِرْتَ تحت التُراب يا شهيدنا، و باب الجنة أغلقته خلفَك، بل نحنُ من عمّرناه بأنفُسِنا، ذراتُ ترابٍ تلو ذرات..
مُحَمد.. مهلاً.. لا ترحَل.. فَمَراسم الوداعِ ما انتَهتْ.. ألا تسمَع؟! تِلكَ الأصواتُ التي وصَلتْ الى السمَاوات، لطمٌ و عزمٌ و شدة، بل ثَورة.. و دَمْعة.. و ابْتِسامةٌ أخيرة...
صفحة الشهيد السيد محمد إبراهيم*