 
                                                قالوا إنك وحيد، فإن صدق زعمهم فمعنى ذلك أن التاء وحدها كانت تفصلك عن بلوغ الأصل الأول من أصول الدين، فلم تحتج الكثير حتى استجمعت كل حروف الكلمة السّرّ "توحيد". ولأنك عرفت أن سرّ الأسرار في ذلك الحرف، لم توفّر جهدًا في تحصيله، بذلت مالَك وجمالَك، جاهَك ورفاهَك، كُلّ سِنيِّك وسَنِيِّك،علمَك وعملَك، حتى لم يبقَ لديكَ شيءٌ مما آتاك الله واستقرضك إياه إلّا لحمُك ودمُك، وهُنا نظرتَ في الأوراق، فتذكّرتَ أنْ كان لك اسمٌ وهو "جواد"، قد بذلتَه من قبلُ مع الأسماء، فقلتَ: "حبّذا جواد"، وقلتَ: "بلى، أجُود"، ثمّ قدّمتَ نفسك مع أطهر القرابين...
ولكن لطفًا ومعذرة، إنّ ديدَن الشهداء هدايةُ مَن حولهم، وإنّ دأبَ الصالحين تعليم النفوس وتزكيتها وتربيتها على الجهاد،فكيف بك جاهدتَ نفسك ولم تُعنّا على أنفسناّ؟ تمنع نفسك عن زهرة الحياة الدنيا وتعصر عينيك دمعًا في آناء الليل، وتُبقي عيوننا مترَفةً بالنظر إلى مبسمك المشرق في أطراف النهار، وأسماعنا مُلتذّة برَنّة صوتك عند المناجاة، وتدسّ آمالك في التراب، ويُؤمِّلُ بلقائك الأهل والأحباب...كنتَ تحزن ونفرح، وتبكي ونضحك، وتغتمُّ ونُسرّ، وتسهَدُ ونرقُد، وتخفَر ونَظهر، وتشقى ونهنأ.. كُل ذلك شوقًا إلى التاء وما كان أسعدَك حين وجدتَها في أوّل "تدمر"! فتبسّمتَ، وكنّا يومها في غمّ،وحثثتَ إليها الخُطى،فصَيّرتَ هناءً لك كلّ ما مضى من شقاء، وأشقيتَ من تَعوّد بك الهناء، فلا أشقى الله بك عزيزًا، وألحقَنا بحيثُ التحقت، وختم لنا بما ختم لك.
* رفيق وصديق الشهيد * جواد * في درب الجهاد والدراسة