كان الشهيد محمد يستقبل شهر رمضان بقلبٍ مفعم بالإيمان، ينظم وقته بين عمله وراحته ليمنح هذا الشهر الكريم حقه من العبادة والتقرب إلى الله. لم يكن شهر رمضان بالنسبة له مجرد أيامٍ للصيام، بل كان محطةً للارتقاء بالروح ومراجعة الذات، وكان يحمل في قلبه همّ عوائل الشهداء، يذكرهم منذ اليوم الأول، مدركًا أن هناك موائد تُفرش بالدموع، وعائلات تفطر وحيدة بعدما غاب أحباؤها في ساحات الشرف.
لم يكن يهتم بتنوع الأطعمة على مائدة الإفطار، بل كان يرى أن صنفًا واحدًا يكفي، مؤمنًا بأن شهر رمضان ليس شهر الولائم، بل هو شهر التخفف من الدنيا للسمو بالروح. ومع مرور السنوات، أصبح إفطاره يزداد بساطة، كأنه يجاهد نفسه ليشعر بمعاناة العائلات المتعففة، فلم يكن يكتفي بالتعاطف معها، بل كان يساعدها سرًا، دون أن يشعر به أحد.
كان للقرآن مكانة خاصة في قلبه، لا يكتفي بختمه، بل يغوص في معانيه، يقف عند كل آية، يبحث عن تفسيرها، ويفتش في كلماتها عن نورٍ يضيء له طريقه. يجد في كل صفحة رحلة تأخذ من وقته الكثير، لكنه كان يؤمن أن الغاية ليست مجرد ختم القرآن، بل الأهم من ذلك هو الغوص في معانيه وفهمها حق الفهم.
أما الصلاة، فكان يحاول التردد الى المسجد دائمًا، لكن يحول دون ذلك أحيانا ألم في رقبته، فكان يحرص على أن لا ينام بعد الإفطار، ليتهيأ لصلاة الليل بخشوعٍ وإخلاص.
في ليالي القدر، كان حضوره مهيبًا، فمن يراه وهو يناجي ربه يدرك أنه في عالمٍ آخر، تغمره السكينة، ويملأ قلبه الخشوع. كان يرى أن الإكثار من الدعاء مهم، لكن الأهم أن يكون الدعاء نابعًا من القلب، بإخلاصٍ واستشعارٍ حقيقي للقرب من الله.
لم يكن شهر رمضان يمر دون أن يوقظ أولاده وقت السحور، يحدثهم عن أهميته، ويغرس في قلوبهم حب هذا الشهر وروحانيته. وفي سنة طوفان الأقصى، كان قلبه مع غزة، يدعو لها في كل ليلة، خاصة في ليالي القدر، سائلًا الله أن ينصر المظلومين ويثبت المجاهدين.
* والدة الشهيد