حينما سألني الشيخ وسيم عمّ سأكتب عنه بعد استشهاده، أجبته: "استشهد، ولا تقلق"...
سألني الشيخ وسيم عن ماذا سأكتب عنه بعد استشهاده، أجبته : "استشهد، ولا تقلق"، ولم أكن أدري قبل اليوم، كيف يمكن للسكوت أن يستولي على الكيان، ولولا العتابُ، لما نطق القلم بكلامٍ يسبقه اعتذار له أولاً، ولجميع من عرفه ثانياً. كنّا أربعةً هو أصغرنا سناً، لكنّه أجاد اختصار تلك المسافة بعمق وعيه، وسعة أفق تفكيره، فكان دائماً يُفاجئنا بتحليله للأمور، وإحاطته بها، ورأينا فيه نموذجاً للشباب العصاميين الذي أسسوا بنيان حياتهم بجميع جوانبها؛ الديني والفكري والاجتماعي والفلسفي وحتى الشاعري، على طينةٍ كان أصلها ثابت وفرعها في السماء، لقد غيّر الكثير من حياتنا، ترك فيها أشياء جميلة سترافقنا حتى آخر لحظة من عمرنا.
ذلك الشاب الذي رأيتهُ أول مرة يدخل إلى قاعة إحدى المحاضرات التخصصية، فهمستُ لزميلتي : "أنظري هناك شاب نسيَ أن يستشهد في عام 1982 قد دخل إلى القاعة"، فسألتني إن كنتُ أعرفه، أجبتها: " لا، ولكني أتساءل كيف ضيّع طريقه إلى هنا!" فمع الاقتراب من حياته، تجدّ نفسك تائهاً وسط الانطباعات التي يتركها فيك، فهو الشاب الملتزم - المتزمت - المنفتحِ في آن، وهو الكشفي- المقاوم، الحوزوي - الجامعي، والطالبُ والأستاذ. هو أول الداخلين إلى قاعة الاحتفالات، وفي الصفّ الأول للمسيرات، كان آخرها مسيرة للجامعيين نال نصيبه منها عصياً وماءً من قوة مكافحة الشغب، وهو المشارك دائماً في الندوات الفكرية والأدبية، حضوراً وكتابةً. من أين يأتي بكل هذه الحماسة للحياة؟ لم يعرف أحدٌ منّا جواب هذا السؤال، وعندما يطلبُ منّا أن نجاريه ببعض أعماله المتعددة والمتشعبة، نتهرّب بأننا أكبر سناً منه، وأن التعب قد أخذ منا مأخذاً، أما هو فلا يزال " عظمه طرياً "! فيغضبُ من ملاحظتنا، وسرعان ما ينتزع ، بذكائه، اعترافاً منّا بأنه " كَبُرَ " ..
*نسرين قازان - موقع التعبئة التربوية