أقوال الشهيد وكتاباته

وصيّةٌ لكلّ عاشق

وصيّةٌ لكلّ عاشق

هو حديثٌ من قلبِ محبّ، خطّه شهيد الوعد الصادق الشيخ وسيم شريف (الشيخ حسن)؛ ليكون وصيّةً لكلّ عاشق، وصيّة تُشعِرُك بكمّ المعرفة التي استقاها من الإمام الخمينيّ قدس سره، والوَجد الذي استلهمه منه..

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على المرسل رحمةً للعالمين محمّد وعلى آل بيته الطيّبين الطاهرين...

أخي العزيز... أخاف أن تعود بك هذه الكلمات إلى الوراءِ في مسيرتك إلى الله تعالى... لست أخشى قلّة وعيك والعياذ بالله، بل حسن ظنّك بي وبكلماتي...
لذا أريدك أن تعلم:
أولاً: إنّ الفقير (يقصد بذلك نَفْسَه) لا يملك إلا بعض المفاهيم الذهنيّة، التي حاول أن يشكّلها من خلال فكر الإمام الخميني قدس سره باعتبار أنّه يمثّل الفهم الأصيل للإسلام.
ثانياً: إنّني لا أدّعي أنّ ما أكتبه يمثّل كلام الإمام حتّى! ولكن هذا على الأقل ما استطعت فهمه من كلامه الشريف، ولعلّك لو رجعت أنت إلى كلامه لفهمت أكثر وعملت وعرفت.
قرأتُ في وصيّة الإمام قدس سره للسيّدة فاطمة الطباطبائي(1): إنّ كلّ مخلوق موجود هو عاشق يطوف حول كعبة المعبود الأوحد، حتّى الإنسان الذي قد يُوهم نفسه أنّ له مقصداً آخر، هو بحسب الواقع والحقيقة لا يحبّ غير الله سبحانه، وإنّ الماء الوحيد الذي يروي عطشه الوجوديّ هو ماء الوصول إلى الحقّ، وكلّ مظهر أو مقصد آخر يتصوّره ويسعى إليه ليرتوي منه، لن يزيده إلّا عطشاً! ولكن، هل هذا كلّ شيء؟ وهل يحقّ لي أن أنطق باسم الواصلين بمجرّد أن ارتسمت معالم الوصول إلى الحقّ في ذهني وامتزجت ببعض العاطفة؟!
ما يحقّ لي أن أقوله: "إنّ الإمام الخميني قدس سره يقول: وسأبقى هكذا حتى أسمع بأذني نداء الفطرة يجلجل في أعماقي".
وهل تعلم الفارق بين ما أكتبه وما يكتبه الشهيد قبيل استشهاده؟ إنّه الفارق بين النظريّ والعمليّ -إن كان ما لديّ من أفكار يعبّر عن الواقع- فبين ما أقول وبين الواقع حجابان لم أتخطَّ أيّاً منهما:
الأول: إنّ الكلام نفسه يقيّد المعاني، وما لم تكتبه روح قدسيّة كروح الإمام قدس سره فلن تجعل من هذه القيود أبواباً إلى الحريّة.
والثاني: نفسي وغروري اللذان يحولان بيني وبين المعاني الحقيقيّة.

* الطريق إلى معرفة الله عزّ وجلّ
إنّ مقتضى الرحمة الإلهيّة أنّ الله تعالى -وهو الذي دعانا إليه- يدلّنا على الطريق. ولمّا كان الوصول إلى الله تعالى هو الغاية ﴿وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (طه: 41)، فلا بدّ من أن يكون بيان هذه الطريق والدلالة عليها هو العمل الأول للأنبياء والأولياء، وهو أكثر ما يركّز عليه القرآن الكريم: إنّه الصلاة.
وبالطبع، ليست أيّ صلاة هي الموصلة إلى الله عزّ وجلّ، بل التي ينطبق عليها مصطلح "إقامة الصلاة". يقول الله عزّ وجلّ: ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (طه: 14). فالصلاة التي لا تؤدّي إلى ذكر الله ليست صلاة حقيقيّة، ولا يُسمّى أداؤها "إقامة".
فالعبادات والأعمال يجب أن تكون مستحضِرة حقيقة العبوديّة؛ لتكون معراجاً وذكراً. وفي الواقع، فإنّ الخشوع أثناء الصلاة هو نتيجة لاستحضار العبودية في الأعمال الأخرى، والصلاة بدورها تقوّي الخشوع في الأعمال.

* العلم الحقيقيّ
إذا وفّقك الله تعالى -بلطفه- إلى رشدٍ يدلُّك، فتلك نعمة كبرى، ولكن إن لم تجد فماذا تفعل؟ وهل النداء الإلهي مقتصر على من له أستاذ، فقط؟ لا طبعاً. ثمّ إنّ الله تعالى وعد من سعى إليه بالهداية ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا (العنكبوت: 69). هذا العلم الذي يقذفه الله في قلب وعقل الساعي إليه والمجاهد في سبيله، هو العلم الحقيقيّ الذي نبتغيه من الأستاذ. يقول الإمام الصادق عليه السلام: "من عمل بما يعلم علّمه الله علم ما لا يعلم".

* دور أهل البيت عليهم السلام
أهل البيت عليهم السلام هم المعيار في صحّة الطريق أو خطئه؛ أقوالهم وسنّتهم هي الدليل على الطريق، ومعاييرهم في وزن الأمور هي المعايير الصحيحة في التحرّك والاختيار والانتماء إلى الإسلام المحمّدي الأصيل، وهذا ينطبق على كلّ عمل، سياسيّاً كان أو اجتماعيّاً...
حبّ أهل البيت عليهم السلام والتعلّق بهم يمكن أن يكون زاداً هامّاً جدّاً. فالحياء من الوقوف بين يديّ الإمام عليّ عليه السلام وأمام العقيلة زينب عليها السلام يوم القيامة يعصم من الذنوب.
فلتعلم أنّ الحبّ أقوى بكثير، ونار الحياء أشدّ إيلاماً من العذاب، وعوالم الغيب حاضرة معنا، الله تعالى معنا ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ (الحديد: 4)، ونحن في محضره ﴿وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (طه: 39). وعالم البرزخ والآخرة هو باطن هذا العالم، [فالطاعات والعبادات تزيل الحجب عن الأنظار]، ويمكن لنظر المرء أن يتخطّى حجب الدنيا ويطّلع على تلك العوالم "لولا تكثير في كلامكم وتمزيج في قلوبكم، لرأيتم ما أرى وسمعتم ما أسمع"(2).
ولكن كيف السبيل؟ السبيل هو الطاعة والالتزام. وقوف الأخت في وجه زحمة عواصف المعاصي؛ حجاب أخلاقيّ واجتماعيّ وشكليّ يصون طهارتها، وجهادها لإعلاء كلمة "لا إله إلّا الله" وهو السبيل إلى الله تعالى. انظر إلى الإمام الحسين عليه السلام لقد كان في أقرب حالاته عندما دنت شهادته، والحوراء زينب عليها السلام كلّما اشتدّت مصائبها وصبرها كانت تزداد رقيّاً وعروجاً. هذه هي الطريق.

* الخروج من منزل الأنانيّة
هناك نقطة مهمّة جدّاً يلفت إليها الإمام الخميني قدس سره في الآداب المعنوية للصلاة، وهي:
أنّ المقام الأول لسالك طريق الله عزّ وجلّ والخطوة الأولى للمسافر إلى بيت الربّ، هي الخروج من منزل الأنانيّة. وهو يشبه السفر الشرعيّ الفقهيّ، ما لم تغب عن ناظريك جدران مدينة النفس، وأذان الهوى والشهوة ما دمت تسمعه، فأنت مقيم في نفسك وأنانيتك، ولست مهاجراً إلى الله تعالى.
ولا يتحقّق الخروج من هذا إلّا بإدراك الإنسان أنّه هو الفقر الخالص "إلهي أنا الفقير في غناي، فكيف لا أكون فقيراً في فقري؟"(3)؛ عندئذٍ تمتدّ إليه يد الله لتنتشله من حضيض العبودية للنفس بعزّ الربوبية، وهكذا يؤدّي ذلّ العبودية من العبد إلى أن يكون محلّاً للرعاية الربوبيّة الإلهيّة.
ولو حصل ذهاب الأنانيّة كان المدبِّر هو الله وحده، فيمتثل الإنسان لإرادة الله التشريعيّة كما يطيعه في الإرادة التكوينيّة، ويفنى في الله عزّ وجلّ.
العصمة تصبح أمراً مفروغاً منه، بل إنّ الحب والبغض الإلهيّين يصبحان المحور الوحيد لكلّ حركاته وسكناته.

* موقع بقية الله