ما قيل وكتب عن الشهيد

شخصيّته الجامعة

شخصيّته الجامعة

حضور الله في قلبه.. حبيبه رسول الله.. العابد، المتهجّد، الرّحيم، المتعلّم، المتواضع...

سأكتب بعض ما رأيته وعرفته منه مباشرة دون ما سمعته من الآخرين:

ذكر المحبون جوانب عديدة من شخصية « باقر » منها ذوبانه في الزهراء والحسين عليهما السلام ، وهناك جوانب أخرى لم يُسلط عليها الضوء ، منها :

  • حضور الله في قلب باقر:

باقر  ، غارق في التوحيد ، حضور الله في حياته بلغ درجة عالية ، يتحدث عن الله حديث العاشق عن معشوقه ، حديث حبيب يذوب بحبيبه ، لا يقرر لنفسه بل يترك القرار له تعالى وكانت الاستخارة هي الفصل في كثير من قراراته ليس لأنه متحيراً بل لأنه يريد ترك الأمر له تعالى  .

قبل أيام من عروجه كنّا نتحدث عن الشهادة فقال لم يعد يهمني كيف أغادر وبأي طريقة ، لا فرق بين أن أقتل أو أموت بمرض أو حادث ، فليفعل الله بي ما يُحب . المهم أن ألقاه وهو عني راضٍ ، المهم الخاتمة على الايمان والتقوى …

قبل أيام بينما كان يتحدث عن الله تعالى بكل عذوبة ورقة قال : لقد مرّ عليّ رواية جميلة وعظيمة وهي « من صام تسعة أيام من رجب خرج من قبره وهو ينادي : لا اله الا الله » ، وأخذ يحدثني عن لذة تلك المنزلة حديثَ الموحِد الصادق الذائب بحبيبه …

( ملاحظة : عندما يتحدث باقر عن الله كل ملامح وجهه تختلف وتتحول إلى ملامح من يشتاق لحبيب ويذوب في ذكراه ) .

كذلك كنا نتحدث قبل مدّة قصيرة عن مقاطع أدعية تعتبر استراتيجية فقال يستوقفني هذا المقطع في المناجاة الشعبانية : « إلهي وألحقني بنور عزك اﻷبهج، فأكون لك عارفًا، وعن سواك منحرفًا، ومنك خائفًا مراقبا» بك عارفا وعن سواك منحرفا ، هذا ما كان يريده أي تطهير قلبه عن كل غير الله …

  • رسول الله معشوق باقر:

باقر كان عاشقاً لرسول الله صلى الله عليه وآله ، وكان الشوق لرسول الله والحنين إليه يسكنه ، يتحدث عنه حديث والهٍ فيه ، فالرسول عند باقر هو تجلي ومرآة لجمال وجه الله ، لذلك كانت أمنيته أن يرى سبحات نور وجه الله بمنظار رسول الله …

  • المطيع لمولاه المخالف لهواه:

باقر ، كان لا يأكل صنفين في الوجبة الواحدة ، ويتذكر قول علي عليه السلام : « بنية أتقدمين إلى أبيك إدامين في فرد طبق واحد؟ أتريدين أن يطول وقوفي غدا بين يدي الله عز وجل يوم القيامة» .

كان قد ترك أكل الدجاج واللحم منذ فترة ، وعندما سألته عن السبب قال أنا أحب تناولهما لكن ذلك يعين على رقة القلب وغزارة الدمعة . وعندما قلت له لا تترك تناولهما بشكل مطلق أقله عندما تكون ضيفاً عند أحد ويقدّم لك طعاماً فيه لحم أو دجاج تناول منه ؛ وبذلك تكون قد اتبعت الحد الوسط .  سكت قليلاً ثم قال : في بعض الاماكن أنا مسؤول عن أخوة مجاهدين ولعل بعضهم لا يقدر على تناول مثل ذلك …

  • العابد المتهجد:

باقر ، في بدايات شهر رجب كان في مكان ولم يجد كتاب مفاتيح الجنان ، وعندما التقيته وأخبرني أنه يريد نسخة من الكتاب ، حينها قال لي : حاولت أن أتذكر شيئا من أعمال هذا الشهر فتذكرت أنه ورد استحباب قراءة سورة التوحيد عشرة الاف مرة خلال الشهر ، فقررت أنا اتلوها في كل يوم عشرة الاف مرة …

لا أنساه وهو يصلي صلاة ليلة الرغائب - قبل أيام -  ودموعه تُغرق وجهه . 

وفي مرة سألته إن كان صائماً فقال : كل يوم أكون ناوياً للصيام وهذا ما شاهدته منه …

عمل في سوريا بمنطقة فيها شيعة فقراء فكان دائم التفكير والسعي كيف يؤمن لهم شيئاً من المال حتى كان يصرف موازنته الخاصة به على علاج مريض أو مساعدة محتاج منهم …

باقر ، الحنون جداً ، الجميل جداً ، المتهجد العابد ، أتعب نفسه لآخرته وأراح الناس من نفسه ، الاستثنائي الذي لا تهمه العناوين والالقاب ، كان يصوم ويصلي نيابة عن الغير ويصرف المال الذي يأخذه على إحياء المجالس أو مساعدة فقير مع أن حالته المادية قد لا تكون أفضل من حالة الفقير الذي يساعده ، باقر الذي كان يعشق خدام الإمام الحسين والخدمة الحسينية …

في العام ٢٠١٧ كلمني وقال : « بدي اعطيك شي » . وعندما التقينا قدّم لي مفكرة يومية صممها بنفسه وطبعها على نفقته تحتوي برنامجاً سلوكياً - وفق تعاليم الشيخ بهجت قدس سره - وجدولاً يومياً للاذكار ومراقبة النفس ( سأرفق صورة منها مع المنشور في التعليق الأول  ) …

  • الرحيم مع اخوانه:

قبل أيام قال لي ، ذهبت الى القرض الحسن وجددت قرضاً على شيء يسير من قطعات الذهب ( لاولاده) وسددت منه جزءاً من ديوني والباقي سأشتري به سيارة ب ٨٠٠$ للتنقل بها الى العمل ( علماً أن المبلغ لم يكن يكفي لذلك وسيبقى جزء من ثمن السيارة ديناً في ذمته )  مع أن تامين السيارة ليس على عهدته بل على عهدة العمل ، وقال لي : جعلتك وكيلاً عني في القرض ، عندما استشهد أرجو ان يبقى ذلك الذهب كصدقة جارية لمن يريد أن يقترض عليهم حتى يكبر أولادي فتوزعهم عليهم …

باقر ، كان يتحمل أذى الاخرين ويتحمل الخطأ الصادر منهم تجاهه دون أن يشعرهم بالذنب ، فقد كان قلبه كبيراً إلى حد أنه يتجاوز عن أي شيء من أي أحد قربة لله تعالى ، وكان يدعو لهم في صلاة الليل . وفي الحقيقة كان سرّ هذا التعامل هو أن باقر كان يرى جميع الخلق « عیال الله» کما في الرواية وكان يلتذ بالتعامل الحسن معهم ولو جاروا عليه لأنهم مرتبطون بالله تعالى ومنتسبون إليه …

  • طالب العلم:

درس باقر الفلسفة في الجامعة اللبنانية ، ودرس الفلسفة الاسلامية والعرفان النظري، وتابع كثيراً في ذلك العلم ، وكان يطالع كثيراً ، وفي بعض الفترات كان لا ينام الليل بل يقضيه بالعبادة وطلب العلم ، وكان يكتب ويلخص ويتابع المعلومة ما أمكنه ، وكانت سيارته عبارة عن مكتبة متنقلة  ؛ فكتبه كانت معه حيث يذهب …

  • المجاهد المتواضع:

باقر، أطلق على نفسه في شخصيته الجهادية اسم «خميني» ، وخلال طوفان الأقصى كان يُنادى باسم «همت» وهذا يكشف عن أبعاد شخصيته ، فمن يقرأ سيرة الشهيد « همت » ويعرف عظمة الإمام الخميني يمكنه معرفة أين كان يحلِّق باقر وبأي مدى …

المجاهد الشجاع « خميني » قاتل على جبهات القتال المختلفة ، فهو الحاضر في العراق وسوريا ولبنان ، قاتل التكفيري والاسرائيلي ، لم يكن يأبه بالمنصب أو المسؤولية فهو الخارج من سلطان الجاه والشهرة .

باقر  المُدرِب ساهم في إعداد المجاهدين وتدريبهم . باقر  كان رسالياً في تدريبه العسكري ، يغلِّف المعلومة بروحيته الولائية ودمعته المواسية .

كثيراً ما كان يقول لي سأذهب إلى العمل في المكان الفلاني ، وعندما أسأله عن مدى معرفته بالمسؤول عن العمل يقول : نعم أعرفه فقد دربته في المكان الفلاني ، أو كان يساعدني في العمل الفلاني . وهذا يعني أن باقر سيعمل تحت إمرة من كان مسؤولاً عنه في مكان آخر وعمل آخر ، ولم يكن يدخل في نفس باقر أي شيء من ذلك ، لا حساسية لديه ولا إحراج في هذا الأمر 

 

هذا ما يمكن قوله ، ويبقى الكثير من سرّه ، وبعض سرّه لا يعرفه الا الله ،  هنيئاً لك يا حبيب القلب ، والله لقد بعثر رحيلك كياننا المنهك ، فسلام عليك يا أخي وان شاء الله نلتقي قريباً …

* الشيخ عباس ابراهيم