لا أحد يعلم حكاياهم كم تشتاقُها جدران منازلهم!
زينب ترحيني*
05/01/2024
يُقال بأنّهم يريدون الرّحيل،
أنّهم هواة الموت ولا يحبّون الحياة،
أنّ "بمزيد من الفخر والاعتزاز"، "شهادة مباركة" هي جُملٌ يقولُها أهاليهم وهم فرحون من غير حزن..
نعم!
فرحون أنّ أمنيتهم قد تحققت ونالوا الفوز الأكبر..
فرحون أنّهم عند ربّ رحيم وأنّهم من "المقرّبون"..
فرحون أنّهم سينتظرونهم ليشفعوا لهم في الدّار الآخرة..
فرحون، ولكن! في القلب غصّة..
فلا أحد يعلم!
لا أحد يعلم حكاياهم كم تشتاقُها جدران منازلهم!
لا أحد يعلم كم مرّة بكت تلك الزّوجة عندما أعدّت الطعام.. وكان صحنُه الذي كان يأكل به فارغًا.. وسيبقى فارغًا..
لا أحد يعلم كم مرّة فتحت خزانة ثيابه لتغسلها كما اعتادت بعد عودته من العمل.. لكنّها تراجعت، فلا عمل بعد الآن، ولا ثياب متّسخة.. فليبقى عطر تعبه وجهاده بها..
لا أحد يعلم كم مرّة أمسكت بيَد طفلها وحضنته حضن العالم.. لأنّ عالمَه غاب ولن يعود..
لا أحد يعلم كيف سيعيش ذلك الطفل وهو لن يرَ أباه بعد الآن، إلّا في الصور!
لا أحد يعلم كيف تشعر تلك الوالدة التي اعتادت أن تناديه مُذ كان جنينًا.. لكنّه لن يُجيب بعد الآن..
لا أحد يعلم كيف تشعر عندما تزوره وهو تحت التراب.. وكم تمنّت أن يعيش بعدها، ويحمل نعشَها!
لا أحد يعلم كم مرّة ستنظر إلى الباب.. لعلّه يأتي ليطمئنّ عليها كما كان يفعل كلّ ليلة..
لا أحد يعلم حكاياهم!
لا أحد يعلم كم يؤلم الفقد!
*دكتورة لبنانية