المدونة

زيارةٌ إلى بستان النور
  • 05/08/2023

زيارةٌ إلى بستان النور

تقف! لا تعرف أحدًا منهم.. تنظر يمينًا ويسارًا، تقرأ لأرواحهم الفاتحة وسورة القدر.. تُسلّم عليهم.. يرتجف قلبك كمن احتكّ بشريطٍ من نور! كيف لا، وهم مصداقٌ لقوله تعالى: {...وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ...} الحديد:١٩ تمشي بينهم كمن يمشي في بستانٍ من الورود.. كلّ الورود جميلة.. كلّها عطرة.. هناك في عالم الأرواح لا بدّ أنّ لكلٍّ عطره!

 زينب ترحيني* 

11/11/2023

 

هناك،

سكنوا منزلهم الأخير قبل جنّة الخلود،
نورٌ بجانب نور،
يتلألؤون لأهل السّماء كما تتلألأ النّجوم في ظلمة الليل.. وهل يخفتُ نورُ من اتّصل بنور الله! 

تصلُ إلى روضة الحوراء زينب (عليها السّلام)، تقف برهةً وأنت تجول بناظرَيك بين هذه الورود المزروعة في أرضٍ تشرّبت من دم الشهادة. وأيُّ شهادة! شهادة الدّفاع عن حرم من كسرت قلبَها عاشوراء، وسمعَت أنينها كربلاء..
تقف! لا تعرف أحدًا منهم.. تنظر يمينًا ويسارًا، تقرأ لأرواحهم الفاتحة وسورة القدر.. تُسلّم عليهم.. يرتجف قلبك كمن احتكّ بشريطٍ من نور! كيف لا، وهم مصداقٌ لقوله تعالى:
{...وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ...} الحديد:١٩
تمشي بينهم كمن يمشي في بستانٍ من الورود.. كلّ الورود جميلة.. كلّها عطرة.. هناك في عالم الأرواح لا بدّ أنّ لكلٍّ عطره!
ذاك تفوح منه رائحة النرجس.. فقد كان عاشقًا لمولاه بقيّة الله (عجّل الله فرجه) وكان من المواظبين على دعاء العهد..
وذاك تفوح منه رائحة شقائق النعمان.. يقولون أنّه كان لا يريد إلّا قُرب الإمام الحسين (عليه السلام).. لقد كان لا يترك زيارة عاشوراء! 
أمّا ذاك الشّهيد في المُنتصف، فقد كانت تفوح منه رائحة الياسمين الأبيض.. كقلب فاطمة سلامُ الله عليها! فقد أوصى بضريحٍ دون بلاطة، مواسيًا لأئمة البقيع (عليهم السلام) ولمن لا قبر لها.. 

تمشي بينهم وليس لديك أحدٌ محدّد تقف عنده.. تصل قدماك إلى الشهيد عباس سماحة.. هذا الذي تذكره دائمًا عند ذكر الشّهداء ولكنّك لا تدري لما.. تجلس عنده قليلًا.. ثمّ بضع خطوات وتصبح عند الشّهيد محمد رباعي وبجانبه الشّهيد علي عباس اسماعيل الذي يجاوره الشّهيد إبراهيم شهاب..
تتحدّث إليهم ودموعك حديثُك.. لا تريد شيئًا سوى أنّك تشعر براحةٍ غريبة عندهم.. أُنسٌ وسكينة.. وما زال القلب يرتجف! ما السرّ فيكم أيّها الرّفاق! يا أصحابنا في السّفر! كالقناديل أنتم تضيئون صحاري قلوبنا وتشعلون في أنفسنا شوقًا للرّحيل إلى عالم الطّهارة، وأمنيةً أن تأخذوا بأيدينا كي نعبر وننجو، كما عبرتم ونجَوتم..

هناك!
على ضريح الشّهيد علي اسماعيل تلوح لناظرَيك خشبة صغيرة كُتب عليها "كلّ الطّرق إلى الله مُزهرة"
وإنّنا علمنا بعين القلب أنّ طريق الشّهادة التي اخترتموها هي أقرب الطّرق إلى الله، وأعطرُها.. 
تُكمل مسيرك في هذا البستان الفوّاح وتتأمّل وجوههم وترسل لهم صلوات محمّديّة علّهم يردّون الهديّة فيعطّرون قلبك بنور الهداية والولاية..

وما إن حانت لحظة وداعكم، حتّى أقبلَت إليكم مجموعة من الفراشات وتناثرت على أضرحتكم.. لا بدّ أنّهم أهاليكم قد قدموا لينهلوا من رحيقكم! 
فاستبشروا واستأنسوا، وسلوا الله أن يربط على قلوبهم.. 
فأنتم من باع، والله اشترى، وهم من زرع!

لقُدس أرواحكم، تحيّةٌ وسلامُ..

*دكتورة لبنانية