لطالما كانت خدمة المستضعفين الهمّ الذي حمله، وكرّس آخر أيّام حياته لأجله؛ فكان يبحثُ عن الفقراء لمساعدتهم، والمتعبين لمعاونتهم، يطرقُ أبواب البيوت ليلاً، خصوصاً في بلدته؛ ليطمئنّ إلى دفء ساكنيها، ويسارع إلى تأمين ما ينقصهم، غير عابئ بليل ألقى بظلامه على الطرقات، ولا ببردٍ، ولا بتعب. لقد كان كالعصفور يتنقّلُ من مكانٍ إلى آخر؛ ليرفع همّاً، ويساعد في دفع بلاء، ويطمئن قلباً، ولو كان عابر سبيل.
ذات يوم التقت به عمّته في محلّة بئر العبد، وبينما هما يتبادلان السلام، لاحظت عدداً من أكياس الخضار والفاكهة يحملها على درّاجته الناريّة، فتساءلت في سرّها باستغراب: "أيعقل أن يخرج من عمله ليشتري الخضار؟"، وإذ يأتيها الجواب منه فجأة؛ إذ استمهلها ليوصل الأكياس إلى سيّدة مسنّة كانت تنتظره أمام أحد المباني!
هذا التعامل المحبّ والودود، جعله خلال فترةٍ زمنيّةٍ قصيرة كالقطب من الرحى، خصوصاً في قريته؛ حيث يقصده الناس أينما كان، يأنسون بحديثه عن الدين والتكليف الشرعيّ، وعن أهمّيّة حرب الدفاع عن المقدّسات، قد حوّل سهراته إلى منبرٍ توعويّ دينيّ وسياسيّ، تركت أيّما أثر في القلوب.