كلما شكرته بعد هديةٍ مفاجئةٍ، كان يعدني بأجمل منها في مرةٍ قادمة. ظننتها شهادة تخرجه عندما جاءني بها يغمرني بفرحه العارم، ثمّ خلتها وثيقة زواجه، وهو يلوّح بها أمامي. وعندما حمل إليّ وثيقة ميلاد طفله الأول، أخبرني أن أوانها لم يحن بعد. وتوقفت عن انتظارها، وتوالت هداياه تشبه ما سبقها من عطور ومناديل ووثائق نجاحٍ جديد أو طفل وليد. إلى أن ختم على أعتاب انتصار تموز جهاده المقاوم. ضممت وثيقة استشهاده بشجاعة، لأنها وصلت إليّ دون يده السمراء؛ تضمني إلى دفْء قلبه المجاهد. واستطعت في غمرة افتقادي له، أن ألحظ جفاءً غريباً، من ابن أختي، صديقه الحميم، الذي وافاني بها. وعدنا إلى القرية منتصرين، وعاد ابن أختي شريك جهاده معنا دونه، وتساءلتُ طويلاً عن سرّ هروبه مني، من نظراتي المستأنسة بملامحه، فقد كانا متشابهين كقطرتيْ ماء. وخبّأتُ عتبي عليه، في طيّات حزني؛ فله مشاعره تجاه صديقه وعليَّ احترامها، لا محاصرتها بالأسئلة، وقرّبتِ الأيام عيد الأم الأول بعد غيابه، نَحَّيْتُ عن أسرتي مشاعري الحزينة، وجلست معهم على الشرفة أحتفل به. ورمقتُ نجوم السماء الصافية، بعتبٍ؛ أبحث بينها عن مصابيح العمر الآتي، وكالصغار تماماً، تساءلتُ في سرّي "أَياً منكن أيتها النجوم، تحمل روح حسام مصباحاً لألتقيها في ما تبقّى من ليالي العمر"؟
وضحكت وفي سرّي أيضاً من سذاجة هذا السؤال، وخبّأت بين أصابعي دمعةً متمردة، وشدّتني نحو الباب طرقاتٌ مستعجلة، فتحته لأراه أمامي ابن أختي، وصديق حسام وقد مدّ يده إليّ بعلبةٍ خشبيةٍ جميلةٍ وبادرني: "وأخيراً وجدتها، كم كنت خجلاً منكِ يا خالتي، لقد فقدتها بعد عودتنا، في آب مباشرةً. أضناني طول البحث عنها. منذ يومين؛ رأيته في حلمي مرتدياً بذلتي التي احتفظتْ بعطر دمه ولونه. كنت أرتديها عندما حملته جريحاً قبل استشهاده. كانت في أحد جيوبها. أقسم لكِ أنها من حسام مع هذه العلبة. افتحيها أنتِ بيدكِ كما أراد"! وفتحتُها تحت أنظار الجميع المتلهفة.
* والدة الشهيد نقلا عن ولاء إبراهيم حمود – مجلة بقية الله