قصصه الشخصية

الوداع الأخير

الوداع الأخير

لأول مرة فی حیاتي أكون عاجزة عن الكتابة.. کنت أشاهد الکلمات.. ذکریات خطیبة الشهید.. دون أن أستطع كتابة القصة ... کنت صامتة من الدهشة... من العظمة ... کنت لا استطیع ... اخبرت صدیقتي وقلت انه من الافضل ان لا اکتب هذه القصة ... لا استطیع .. فأنا لست عربیة وهذه القصة من اصعب القصص ... إن کتبتها ستضیع وأنا لا أريد لها أن تضيع... قالت صدیقتی بکل غضب: ألا تخجلین من نفسك؟ تسمین نفسك کاتبة الشهداء وتکتبین لسنوات عدیدة والآن تقولین لا أستطیع؟ وهی کانت لا تعرف أنّنا احیانا لا نستطیع ... احیانا یجف قلمنا أمام بعض القصص .. قصص يتوقف القلم احتراما لها... ولکني في النهاية بدأت... اغمضت عیني وأخذت القلم ورددت بهدوء ... بسم الله الرحمن الرحیم.

الساعة التاسعة إلا ربعًا... اشاهد ساعة الحرم .... ابتسم بصعوبة.... انا هنا من جدید ... عند الکاظميين .. بین ازدحام الزوار ... اطفال .. حمائم الحرم .. ونسیم علیل مریح. کم مضى من الزمن ... سنة؟ ... لا ...اقل من سنة .. کنت جالسة هنا .. هل تذکر؟ صدیقتي کانت بقربي، کنت اشاهد الحرم . تذكرت حافلة من جديد عندما كنت اشاهد من نافذه حافلة الى الطريق .....لا ادری ماذا حدث ...لحظة رأیتك ... وقعت علی الارض فی بذتك العسکریة .... لا أدری کیف تخیلت ذلک المشهد .. بدات بالبکاء ....وکانت التاسعة إلا ربعًا .... و فی حرم الامامین الجواد

سألتني صدیقتي: "ما بك؟"

أجبتها من جديد : "استشهد محمد ..."

فردّت غاضبة: "بدأت من جدید؟ في المطار قلت ذلك في حافلة وهنا أيضا؟"

قلت لها في الحافلة "انها التاسعة إلا ربعًا !!". محمد استشهد ..

عندها قامت من مکانها وذهبت للزیارة. لم تکن لتفهم کلامي.. لم تکن تعي احساسي ولم يكن ذلك عجیبا!! هی لم تكن تعلم أنّنا روح واحدة " انت یعني انا وأنا هي أنت" .. انا لست محتاجة لیخبرني احد في الطريق الى كاظمين .... في الحافلة ....بانك استشهدت ... اعرف ذلك وحدي ... لان روحك روحي وروحي روحك ... قمت من مکاني وذهبت الی الزیارة ...کنت ادري أن الامام الجواد هو باب الحوائج وکنت ارید ان اطلب منه ان تعود سالما - کما طلبت في کربلاء وفي النجف. عندما کنت ادخل الحرم، کنت ادعو لترجع سالما وكنت اتذکر کلامك قبل ذهابك -عندما کنت اکوي بذتك العسکریة - عندها قلت لي:

"لا تعذبي نفسک بهذه البدلة".

فأجبتك حينها: "اریدك أن تکون انیقا ... حتی فی الجبهه ..."

فابتسمت وسألتني: "بماذا ستدعین لي عند الامام؟"

-سأدعو لك بک کل شيء ما عدا الشهاده ..."

فأجبتني مبتسما: " لکنك تدعین لي في کل صلاة بها"...

عندها رسمت ابتسامة صغيرة على شفتيّ وقلت "و لكن اقول في قلبي لاسمح الله، لاسمح الله.."

أمّا انا ... فلم اکذب ... قلت لك لن ادعوَ لک بالشهاده و لم ادعُ، ولکن ذلك الیوم عندما دخلت الحرم وکانت في یدي تلك الورقة الصغیرة التي کتبت اسمك واسمي علیها وكان يتوسطهما قلب أحمر صغير ... وضعتها فی الضریح ... من دون ان ادعو کنت انظر الى الضریح المزدحم بالزائرین، وكانت دموعي تنهمر. قلت "لن أدعوَ هذه المرة... لانني اعرف أن محمدًا قد استشهد ..." شعرت هذا في الحافلة ... في طريق... ولکني تركت تلك الورقة فی الضریح لیبقی حبنا الی الابد .

عدت وجلست خارج الحرم ... کنت اشاهد الحمائم فی الحرم واتذکر ... کیف انّي الآن هنا .. فی العراق من دونك .. تذکرت کل شيء من جدید ... كيف أنّا کنا نحب ان نسافر معا ولکن ذلك لم یکن ممکنا احیانا بسبب عملك ... او بسبب درسي ... انت جئت الى هنا مع اصدقائك قبل شهرین ولم یکن بامکانك ان اصطحابي، وانا کنت کل یوم اردد أني احب ان ازور الامام الحسین (ع) وكنت تجيبني دائما أنك لن تسمح لي بالذهاب بمفردي ... فکیف سمحت لي هذه المرة إذن؟...

کنت امسح دموعي واتذکر كيف اتیت الی بیتنا وقلت: "ارید ان ارسلك لزیارة الامام الحسين(ع)". ابتسمت وقلت: "لا تمزح...فأنت لا تسمح لي، ما هذا المزاح؟ وتابعت دروسي... جلست بقربی واخذت یدی وقلت: "لا ...أنا لا امزح... انت مشتاقة لزیارة الامام الحسین وانا سارسلک".

کنت اشاهدك باستغراب.. هل هذا انت حقًا؟ كيف تسمح أن أذهب وحدي الی العراق؟ أَأُصدق هذا؟

بعد یومین، وفيما کنت اجمع اغراضي للسفر شعرت بانك ترید ان تقول شیئا. فسألتك: "هل حصل شيء؟" جلست بقربي وقلت :"أنتِ ذاهبة الی کربلاء .. وأنا يصعب عليّ الذهاب الی الجامعة دونك... يصعب عليّ أن آتي الی بیتکم و لا اراكِ... يصعب علي ان ادرس وحدي... يصعب عليّ فعل أي شيء دونك .. أصلا يصعب عليّ التنفس من دونك ...إذن انا ساذهب هذا الاسبوع الی الجبهة فتتواجد روحنا حينها في مكان واحد..."

قمت من مکانی بخوف وقلت:

"لا، اخاف علیك، لا تترکني قلقة فی الزیارة... لا تفعل ذلك... ".

قلت "سأعود " ..

لكني لم أكن أسمع شیئا وکنت اکرر لا .. لا .. لا.

لكنك في النهایة قلت: "إن لم تسمحي فلا بأس ... انت لا تذهبي الی کربلاء و انا لا اذهب الی الجبهة".

صرخت عندها :"لا "... وقد توسطت وجنتينا ابتسامة الظفر ...

کنت تعلم بانني لن انسحب من الزیارة ... کنت تعلم ... أتخلى عن کل شيء الا عن هذا. حضرت حقیبتك بيدي کما کنت احضر حقیبتي ... وكما کنتُ ارید الذهاب كنت انت تريد... ولکن قبل یوم من ذهابك... عندما حدثتني حول قبر الزهراء سلام الله علیها شعرت بالخوف . من اللحظه التي قررت فيها الذهاب کنت اشعر انک لن تعود وحين حدثتني عن أمك فاطمة (ع) ازداد خوفي وقلت فی نفسی: هل سيبقى جسدک ایضا؟.. بدات بالبکاء ... وانت كنت جنبي صامتا مسحت دموعی ومسحت دمعك ثم تناولنا طعامنا الأخير معا. فی بیتکم ...هل تذکر؟..کنت جالسة امامك وکنت تشاهدني . کلما رفعت رأسي کنت اراك تنظر الي ...کنت فقط تشاهدنی في صمت... کانك نسیت انک تاکل.. وهل کنت تسمع صوت غیر صوتي؟ وانا کنت اشاهدك وقلبي کان یصرخ بانك لن تعود ..

وحين حان وقت الوداع .. ووقفت عند الباب.... شاهدتني وشاهدتك ... کنت انظر الى عینيك وکنت انت تحدق في عیوني ... کنا نبتسم ونبكي معا ....

قلتُ وقتها: "هل ستاتی الی المطار لاستقبالی؟

أجبتني : ان شاء الله ."

اشتد بکائی .. قلت " لا.. عدني بذلك فأنت عندما تقول شیئا لا تخلف وعدك ابدا، عدني رجاء.."

لكنك اكتفيت بابتسامتك المعتادة وكان قلبي يصرخ بكل قوة :"عد لي.. عد لي .." .

أنا لا أنسى ذلك اليوم، کیف کنت أرید ان تعود لی وانا کنت اعلم جیدا انک لن تعود، ولکن کان كل ذلك خارج ارادتي . کنت ارید ان امسك بک... فی تلک اللحظات الاخیرة.. کنت ارید ان لا اصدق بانك ستذهب ولن تعود. قلت مره اخری وکان وجهی غارق فی الدموع ... "عد لي ".

قلت "نعم اعدك" ... و کانت عیناك تصرخ: "لا تصدقي.."

ألسنتنا کانت تقول شیئا وعيوننا كانت تقول شیئا آخر...انا کنت اعرف لغة عینيك ... ربما اکثر من كلامك .... و انت هکذا ...

عیناك کانتا تصرخان... انا لن اعود ... وعيناي کانتل تصرخان... اعلم ... و لکن ارجوك قل لی للمرة الاخیرة بانک ستأتی لاستقبالي .. سألتك: "ماذا ستاخذ لاستقبالي؟" اردت ان أتاکد فقط بانک ستأتي .. فأجبتني: "باقة ورد" .... فابتسمنا سويا وما كنت أدري أعیوننا کانت تضحك أيضا؟

عندما بدات بالذهاب ... عندما صرت تبتعد عن الباب... کنت اشعر أن قلبي ينسلخ.. کان یذهب نصفي معك ... نصف قلبي .. لا ... بل کل قلبی.. وانا لم اکن استطيع ان افعل شیئا .... کنت تذهب وانا کنت احصي خطوات قدمیك ... کنت ارید ان ارکض خلفك وکنت ارید ان انادیك لتعود ولو لحظه ... لاراك مرة اخری .. ولو للحظة ولکن لا ادري لماذا ... کنت اشاهد ذهابك فی صمت .... عندما اغلقت الباب .... کنت اشعر اني اموت ... کنت مثل حمامة قطعوا رأسها تنتفض وتضرب بریشها الارض ولکن کنت اتمالک نفسی .. بصعوبه ... حاولت ان لا افکر بشيء سوى سفري الى کربلاء ... هکذا.. کنت اشعر قلیلا بالسکینة .. عادت صدیقتی من زیارتها .. وانا مازلت جالسة خارج الحرم ولا زلت اراقب الساعة ..

قالت :"قومي لنعود وارجوک لا تقولی مره اخری بان محمد استشهد" ...

کانت لا تزال لا تصدق کلامی ...كما لم تصدق في الحافلة ... عندما بكيت و قلت .. محمد استشهد ... کانت لا تعي انه لیس من الواجب ان یخبرنی احد ... انا کنت اشعر بذلك ..وهذا يكفي....

عدنا الی کربلاء وانا کنت بانتظار خبرك... لم تكن تستطع ان تتصل بی، کنت اسمع اخبارك من اسرتك وكنت اشعر بالراحة عندما اعرف انك بخیر.. لم یکن يعنيني شيء فی هذا العالم سوى أنك بخیر .. وفي ذلک الیوم .... کنت بالانتطار ... وکنت اعرف انهم لن یخبرونی ابدا انك بخير ...

بعد العودة من الحرم جاء الي شیخ الحملة وقال: "لا تخافي لکن خطیبك قد اصيب".. قلت باكيةً... "هو استشهد"..

قال: "لا .. اصيب برجله"...

وقال لصدیقتي محاولا طمأنتي: "الیس كذلك؟"

قالت صدیقتي باكية: "لا ... هی منذ الصباح تعرف بان خطیبها استشهد".

كنت ابکي .. الی این أذهب ؟ .. الی این کنت استطیع الذهاب الا الى الحرم؟

کنت ابکي وصدیقتي خلفي ايضا. وهل کنت سأهتم ان كان کل الناس في الزقاق یشاهدونني؟ وهل کان سيهمني ان رآنی أحد بعدك؟ وهل کان سيهمني اي شيء؟... کنت ابکي.... ارکض ... بین الناس ... بين دكاكين السوق .. لاجد نفسي فی الحرم .. لم افهم کیف کدت اصطدم بذاك العجوز... صرخ في وجهي :"ما بك.." لم آبه لكلامه وتابعت طریقي .. کنت اسمع صدیقتي قالت له :"استشهد خطیبها .. "

اوقفنی .. وبدأ بالکلام ... ولكن هل کنت اسمع کلامه ؟

نعم ... کنت اسمع کلامه هذه المره. ماذا قال؟ ...

قال "استشهد خطیبك؟ أتعلمین این انت؟ فی کربلاء !! أتعلمین ماذا یعنی کربلاء؟ هل تعلمین ماذا یعنی ان تقدمي زوجك وانت فی هذا المکان؟ هل تعلمین کیف استشهد الحسین و ابناءؤه؟ اذهبي الی الحرم أنت الوحیده التی تستحق ان تزور الامام .... ادخلي الحرم مرفوعة الرأس فانت قدمت لطریقه شیئا . هنیئا لک ابنتي .. هنیئا..

کان يتکلم وکنت اسمعه .... کاننی کنت محتاجة لان اسمع هذه الکلمات ..کنت أشعر انه والدی وهو یکلمني وكنت أحس بالسکینة تسري في شهقاتی.

نزلت الحرم..کنت لا اری شیئا .. کنت لا اسمع .. فقط کنت اری الضریح من بعید .... ماذا قلت؟ هل تتذکر؟ ... آه.. قلت جمله واحدة فقط : "محمد استشهد" و کنت ابکی ..

رتبت على كتفي امرأة فی الحرم وهي تقول: "قضی الله حاجتك يا ابنتي، لا تبکي هکذا.. "

کانت تظن اني ابکی لحاجة..تابعت کلامي... "استشهد محمد. غریبا .. مثلک .. اشکرک لأنك استضفتني لحظة استشهاده واعرف انك الاب الحنون تکفلني ولاتترکني وانت تعلم کم يصعب علي فقدان محمد"..

عدت الی الفندق .. بهدوء هذه المرة..کنت لا استطیع ان امشي .. هل تذکر کیف کنت امشی؟ مثل روح هزيلة .. مثل میتة خرجت من قبرها للتو..تائهة تمشی بین الاسواق ... کیف لم اقع علی الارض؟ لا ادری . کانه لم یبق حیاة فی جسدی. احیانا نکون هکذا.. هل انت جربت ذلك؟ لا ادری. احیانا عندما نسمع جملة ما... لا نستطیع ان نستمر.. احیانا جملة واحدة تکفي لتدمرنا ... کنت امشي في السوق نحو الفندق. وهل کنت لأصل؟ هل کنت احب ان اصل؟ احیانا لا نستطیع ان نتوقف. ولا نستطیع ان نصل ... لا نستطیع ان نمشي ولا نستطیع ان نتوقف عن المشي...

عندما وصلت الی الفندق كان الكل یشاهدني بقلق و انا کنت لا اشاهد احدا ..

توجهت الی الغرفة.. نمت ...أتصدق؟ رميت بنفسي على السرير ونمت ...

احیانا ... عندما لا نستطیع ان نفعل شیئا ... ننام ... عندما یدمرنا الألم ننام .. عندما نشعر أننا لا نستطیع ان ننام .. ننام ..

نمت ... کیف نمت؟ لا ادری ..لكنني ما لبث أن استیقظت... نظرت الى صدیقتي فرأيتها تبکي بهدوء ....

استرجعت ما رأيت قليلا، فکرت قليلا :"هل كان ذلك حلما مزعجا؟"

"لقد رأیت في المنام أن محمدًا قد استشهد .... لقد كان کابوسا مزعجا". تنهدت قائلة..

ارتفع صوت بکاء صدیقتي ....ثم تذکرت انه لم یکن مناما .... تذکرت .. انت استشهدت .. بدات بالبکاء وهل انت کنت تبکي معی؟ لا ادري.. لا ادري..

عندما وصلنا الی المطار كنت أرتجف..تذکرت بانك وعدتني. وعدتني بانك ستاتي . وعدتني أنك ستحضر لي باقة ورد .. کنت ابحث عنك بین الجموع وكانوا كثر ..لقد فاقوا الثلاثمئة !! کنت افتش عنك بين وجوههم ... لكنني لم ارَ شیئا الّاك ... کنت لا ارید سواك وکنت اقول انت وعدتني أنك ستأتي وکنت اعرف انك موجود هنا.

ولكن این کنت بالضبط؟ بحثت عنك کثیرا ولکن لم أستطع ان اراک رغم انی کنت اعرف جیدا انك اتیت ... انك هنا .. كنت تبتسم وتقول:" تقبل الله اعمالك". كنت ابحث عنك لكني لم أكن أراك... أخبرني يا محمد ... این کنت؟ فأنا لا اشك أبدا انك کنت حاضرا.

قاطعني والدي مربتا علی کتفي وهو يقول: "عظم الله اجورك".

عظم الله أجري؟ ... سمعت هذه الجمله من والدك ایضا ... عندما کنت اکلمه هاتفیا في كربلاء.

لم اکن ارید العوده بسرعة الى القریه ... قلت لابيک بأنك احضرت کفنك، کفنك الذي طاف معك الاماكن المقدسه .

أجابني يومها: "اي کفن ؟ ولمن؟ لم یعد جثمان محمد ... لقد اصیب فی راسه وبقي ثلاثه ایام في العراء .. ثم اخذوه!"

عندما کان یقول هذه الكلمات ... شعرت اني علی وشک السقوط علی الارض ... لم اكن اشعر بوجود قدميّ .ولکن صوتك لا زال في مسمعي .. " کونی صبورة لو استشهدت سنبني بیتنا فی الجنة .. لا تهتمي بالدنیا ...الدنیا زائلة " و كنت اتذكر كلامك " لاتقلقي ...روحي ستبقی مع روحك ونسبح لله سويا " وهل کنت صبورة حقا؟ لم يكن لك قبر لأبكي ... وانت کنت ترید هذا ... کما أخبرتنی ذلک الیوم ... حين كنت أكوي تلك البدلة ... البدلة التي سقطت فيها علی الارض.. وانا لم يعد بامکاني ان انظفها بعدها ..

کنت اتذکرك ... کل هذه الاشهر.. ومع طلوع شمس کل صباح کنت اتذکر تلك الشمس المسلطة على جسدك لأيام ثلاثة كجدك الامام الحسین (ع)

وبقيت الشمس تشرق وتغرب علیک یا محمد ثلاثه ايام ... وانا كنت في کل یوم أتذکرك وأنا التي ما نسيتك برهة ... کنت اقرأ رسائلك. هل تتذکرها.... لقد حفظتها کلها ...

من أول رسالة حتى الأخيرة.. كنت اتذكر الزمن الذی أرسلت فيه امك لتطلبني من أهلي مخافة أن يطلبني أحد.. الی زمن خطوبتنا... کنت اقرأ کل تلك الرسائل من البدایة الی النهایة... کنت اشاهد هدایاك وکنت اتذکر ابتسامتك... کنت اتذکر بعد صلاتي كيف كنت کل یوم تسبح علی اصابعي وانا اسبح علی اصابعك ..

کنت اتذکر کل شيء من جدید .. وکل ذکریاتنا.... کیف صبرت تلك الأشهر التسعة؟

كيف صبرت حتى عدت ورأيتك؟ حتى عدت شهيدًا مخضبًا بدمه.. كيف کنت اتذکر وصیتک .."الی الأم والاخت والزوجة والحبیبة والابنة "

الحمدلله ..لقد عدت وانا قلت لک جملتي الاخیره ... هل تتذکر؟

"ها قد عاد جثمانك یا محمد ولکن حبیبتی الاولی لا يزال جثمانها مغیب" ..

اشاهد الساعة من جدید وحمائم الحرم أيضا لكن هذه المره لم تكن معي صدیقتي..

مضت سنة .. لا ... اقل من سنة .... اشاهد الساعة فی الحرم انها التاسعة تماما ... یوم الاربعاء...أطوف مع حمائم الحرم ...وأعلم أنك تنظر اليّ وتبتسم..

تركت القلم بين الاوراق ...انها الواحدة بعد منتصف اللیل .. انتهیت من الکتابة...أحدق في المرآة ... لقد تغيّر لون وجهي ...أرى اصابعي ترتجف.. أشعر أن ضغطي قد انخفض ..أغمض عینی واقول :"كانت هذه أصعب قصة كتبتها في حياتي"..

* بقلم الکاتبه الإیرانیة مهربان (رقیه کریمي) عن لسان خطیبه الشهید محمد إبراهیم