قرر تغيير مكان عمله، ففرحنا له جداً، وعندما سألناه بحماسة:" إلى أين؟"، أجاب: إلى حيث سأكون مرتاحاً وسعيداً..
كان يكتب الشعر على هوامش صفحات الدرس، ويقرأ في لحظات الراحة، ويقضي الليل ساهراً في ترتيب جدول أعماله، دون أن نسمع مرّة كلمةَ شكوى، أو تبرّم، أو تعب؛ اللهم إلا قبل شهر واحدٍ من استشهاده، ذلك الشهر المتسارع الأحداث، عندما اتصل بنا قائلاً أنه قرر تغيير مكان عمله، ففرحنا له جداً، وعندما سألناه بحماسة:" إلى أين؟"، أجاب: إلى حيث سأكون مرتاحاً وسعيداً، (وبعدان بخبركم!). تلك الطيبة، والفطرة الطاهرة التي اختزنها بعيداً عن شوائب الدنيا، لمسناها في تفاصيل الدنيا الصغيرة، فرأيناه بأم العين، يمشي في الطريق الصعب مطمئن البال هانئ القلب، في زمنٍ يعجزُ فيه الناس عن التصديق بوجود أشخاص مثله، يذكروننا بزمن الالتزام الأول، الذي كان فيه لكل شيء ثمناً باهظاً يوازي الحياة!
أنهى الشيخ وسيم دراسته الثانوية بذكاءٍ وقّاد يشهد له القاصي قبل الداني، والتحق إلى جانب دراسته الجامعية بالدراسة الحوزوية، حيث تتلمذ على الشيخ المرحوم الإسحاقي، الذي كان يصف وسيم بـ" بهشتي لبنان"، وتميّزت علاقتهما بتعلّق غريبٍ تخطّت حدود علاقة المُريد بالمُراد، حتى إذا ما توفي الشيخ الاسحاقي بحادث سيرٍ مؤسفٍ، غرق وسيم بتلاطم الحزن، فكان يجلسُ باكياً لساعاتٍ في غرفةٍ موصدة، يخرجُ منها والبأس مرسومٌ على تقاسيم وجهه، ذلك البأسُ العنيد الممهور بصدقٍ صافٍ، ولا أذكر مرةً أن ذُكر سماحة الشيخ بكلامٍ إلا وقد رافقته الدموع.
* نسرين قازان - مجلة بقيّة الله