قصصه الشخصية

قصّة يوم الخميس

قصّة يوم الخميس

اليوم يوم الخميس... تماماً اليوم السادس عشر من شهر أيار...

هذه المرة أزلت البطانية عن وجهه بقوة. أغمض عينيه أكثر. قلت بصوت جدي:

- هيا قم...

لم يكن يريد أن يستيقظ. لأكثر من ربع ساعة وأنا أحاول إيقاظه ولم أفلح. كدت أن أغضب، ناديتك لتوقظه من النوم قبل أن يفوت الوقت فيذهب إلى المدرسة متأخرا. أتيت مبتسما إلى غرفة الأطفال.
قلت لك
- لقد أخبرتك... يجب أن يناموا باكرا .
أنت لم تقبل. مع أنك كنت منظما جدا ولكن تلك الليلة طلبت مني أن لا أجبرهم على النوم باكرا. كنت تريد أن تجلس معهم.
قلت لك: ولكن ...
ابتسمت وقلت: فقط هذه المرة
علي لم يكن يريد أن يترك البطانية، شعرت بأنني سأغضب.
قلت لك: أيقظه أنت، أنا لا أستطيع. سیصل إلى المدرسة متاخرا.
جلست بهدوء قربه ومسحت شعره الناعم ثم قمت وقلت
- هذه المرة لا... لا أريد أن تبقى في ذاكرته صورتي جديا وغاضبا...
نظرت إليك بتعجب. لماذا كنت تتكلم هكذا؟ هل كنت تريد أن تستشهد؟ في الليلة الماضية لم تسمح أن ينام الأطفال باكرا وجلست معهم خلاف عادتهم وعادتك، ضحكتم ولعبتم حتى منتصف الليل والآن تتكلم هكذا؟ هل حقا كنت تشعر بأنك ستستشهد؟ لا ... لم يكن ذلك اليوم يوم الخميس. كان أي يوم؟ لم أكن أتذكر ولكن  رأيت في منامي قبل سنوات بأنك ستستشهد يوم الخميس وفي اليوم السادس عشر من الشهر، لا أذكر أي شهر كان. لسنوات طويلة كنت أشعر بالقلق كل خميس، وفي كل يوم ١٦ من كل شهر، خاصة اذا صادف يوم خميس. لا أعلم لماذا. ربما كان فقط مجرد منام  لا أكثر. مرة قلت لك بأنك ستستشهد يوم خميس. ابتسمت وقلت: أنا لا أعمل من أجل أن أستشهد أنا أعمل من أجل طريقي ونهجي، ولكن إذا احتاج هذا النهج  يوما لشهادتي وشهادة أعزائي وأهلي وأولادي فأهلا وسهلا بالشهادة. هذا يعني كل يوم كان بالنسبة لك يوم خميس.
أنت أيضا ذهبت بعد الأطفال. هم ذهبوا إلى المدرسة وعلي أيضا ترك البيت رغم أنه كان يحب أن يعود إلى سريره وينام وكان يمشي بين النوم واليقظة. ربما في أفكاره الطفولية كان يشتم من اخترع الدرس والمدرسة. هم ذهبوا وكنت واقفا أمام الباب ترافقهم بنظراتك مبتسما. أنت ذهبت بعدهم. بعد أن جلسنا وشربنا الشاي معا
 قلتَ باسما:
- كان يجب أن يكون اليوم يوم السابع من شهادتي..
احرقت اصابعي بالكوب الساخن وتركته على الطاولة. ثم فهمت أنهم حاولوا اغتيالك مرة اخرى. كم مرة حاولوا؟ لا أعلم. أخبرتني هذه المرة ولم تخبرني مرات. كنت أعلم بأنهم يريدون اغتيالك بسبب علمك. وكنت أفكر في نفسي هل كان رخيصا هذا العلم؟ تذكرت الأيام التي كنت تدرس فيها في إيران. الأيام التي كانت فيها حياتنا صعبة وبسيطة. الأيام التي كنت تدرس فيها ليلا ونهارا.  في الغربة والوحدة ... كنت أتذكر الأيام التي من أجل حل مسألة صعبة كنت تذهب لزيارة السيدة المعصومة عليها السلام. و بعد عودتك كنت تتصل بي في الطريق وكنت أعلم بأنك وصلت إلى الجواب. أيام لم تكن سهلة. بيتنا كان بسيطا جدا. حتى كنا نجلس على الأرض. وكان لنا صندوق صغير نجمع وندخر فيه بعض المال فقط من أجل أن نذهب لزيارة الإمام الرضا عليه السلام. كانوا يريدون اغتيالك. تماما كمن يريد أن يقطع شجرة كبيرة وصلت أغصانها بعد سنوات طويلة إلى السماء. تماما كمن كان يريد أن يحرق مزرعة حان وقت حصادها ولم يكن يهمه كم تعب المزارع من أجل سنابلها الذهبية. لا.. لم يكن رخيصا هذا العلم. ارتجف الكوب بين أصابعي قليلا.. أنت فهمت
ابتسمتَ وقلت
- لن يحصل أي مكروه.. لا تقلقي
ذلك اليوم لم تكن تريد أن تترك هذه القصة المؤلمة.  قصة الوداع. مع أنني كنت أكرر في نفسي: لا، اليوم ليس يوم خميس. أي يوم كان؟ لماذا لم أكن أتذكر؟
وقفتَ أمام الباب ابتسمتَ وقلت
- زهراء... أنا أعلم كم أتعبتك معي كل هذه السنوات. أنا أعلم كم كنت صبورة. أعلم أنه بدونك، بدون صبرك لم أكن سأصل إلى هنا. أعلم كم تعبت في تربية الأولاد. كنت أغيب كثيرا. أنا أعطيك ثواب كل عملي هذا وأحب أن آخذ مقابله نصف أجر صبرك..
لماذا كنت تتكلم هكذا؟ مثل الشهداء الذين كنت أقرأ قصصهم، قصص وداعهم. كنت أشم من كلامك رائحة ذلك الخميس الذي رأيته في منامي. ولكن لم يكن ذلك اليوم يوم خميس.
أخذت حقيبتك الصغيرة وابتسمت وتركت البيت. وأنا كنت أفكر بيوم الخميس.. لم يكن سهلا عليّ أن أدعو لك بالشهادة. أحيانا نريد ولا نريد. أحيانا نريد لمن نحب ما يحب ويريد ولكن في نفس الوقت لا نستطيع. أحيانا كنت أدعو لك بالشهادة ولكن بداخلي أردد في قلبي بهدوء "لا سمح الله" لا... لم أقل ولو مرة واحدة بأنني أريدك أن تستشهد. كنت أقول اللهم ارزقه ما يحب ويريد.. فقط لمرة واحدة دعوت لك بالشهادة. لا أعلم كيف ... لا أعلم ... ولكن عندما قلت هذه الجملة. عندما خرجت هذه الكلمات من فمي بدون إرادتي في الدعاء للحظة شعرت أنني من قلبي راضية بما تحب وما تريد. سمعت خبر غارة. لم أكن أعلم أين كنت. لم أكن أعلم ماذا تفعل. هل تعلم شيئا؟ أنتم تست..شهدون مرة واحدة ولكن من ينتظركم في البيت يستشهد مع أي خبر... أحيانا بالنسبة لي كل يوم كان يوم خميس وكل ايام الشهر كانت اليوم ال ١٦.
لم أكن أعلم بأنك استشهدت... فقط كنت أردد: اليوم ليس يومك، اليوم ليس يوم خميس. لم أكن أريد أن أرى تاريخ ذلك اليوم. ربما كنت أخاف من أن يكون حقا يوم خميس.
سمعت خبر شهادتك. أخذت هاتفي، نظرت إلى التاريخ في صفحته وكنت أردد بعيون غارقة بالدمع..

- اليوم يوم الخميس... تماماً اليوم السادس عشر من شهر أيار...

*رقية كريمي - عن لسان زوجة الشهيد