قصصه الشخصية

حسن وياسر: سرّ الأربعين

حسن وياسر: سرّ الأربعين

باغتني الفجر، وتسلّلت زرقته نحوي، فمنحني نسيمه البارد بعض النشاط. جلست على حجر المرمر البارد الذي يغطّي الضريح، وبدأت بقراءة دعاء العهد ثمّ عدت إلى تلك اللحظات، إلى يوم عاهدتهما على الاستمرار بدعاء الدقيقتين

حصل ذاك العهد حين جمعتنا زيارة الأربعين. قضينا ليلتنا عند العمود رقم واحد، واتفقنا أن نبدأ المشي بعد صلاة الصبح. ومع بزوغ الفجر أقمنا الصلاة. جلست عند باب المضيف أتأمّل تسلّل أشعة الشمس الدافئة، ثمّ حملتُ حقيبتي قائلاً: "هيّا لننطلق". هممت بالمغادرة، فانتبهتُ أنّ أحداً منهما لم يحرّك ساكناً، بل تبادلا النظرات بدهشة واستغراب. نظرت إليهما متسائلاً: "ما بكما؟ ماذا أصابكما؟".

أطرق حسن في تردّد يراقب حركاتي بطرف خفيّ. قال ياسر بتعجّب بعد أن هزّ رأسه مرّتين: "ألا تقرأ دعاء العهد بعد صلاة الصبح؟!".

- "دقيقتان تُدخلانك الجنّة"، أردف حسن.

جلسا في الزاوية، وبدأ كلّ منهما بقراءة الدعاء بخشوع، وبصوت خافت متناغم مع هدوء الصباح. استمعت إلى صوتيهما العذبَين، ثمّ تابعت لا شعوريّاً قراءة الدعاء معهما، حتّى أحسست أنّني انتقلت إلى عالم آخر عدت منه مع الضرب على فخذي وأنا أردّد: "العجل العجل يا مولاي يا صاحب الزمان".

غادرنا المضيف، تحرّكت قلوبنا الوالهة، وبدأنا أولى الخطوات في طريق العشق نحو كربلاء. امتدّ أمامنا بحر بشريّ على طول الطريق، ورفرفت فوقنا رايات عليها كلمة "يا حسين".

خلال المسير الأربعينيّ لفتني فعلٌ آخر لحسن وياسر؛ إذ لاحظت أنّهما بعد كلّ فريضة واجبة يصلّي كلٌّ منهما ركعتين. تكرَّر الأمر، فأثار فضولي، لماذا معاً؟ لماذا يصلّيان عدد الركعات نفسه؟ 

حدّثت نفسي: لو كان الأمر متعلّقاً بقضاء صلاة فائتة، فهل يعقل أن تكون فاتتهما الصلاة نفسها؟

سألتهما: "هل في ذمّتَيكما قضاء صلوات؟".

فأجابا معاً في تناسق غير مقصود: "في الحقيقة، هاتان الركعتان على نيّة أن نكون شهيدَين بين يدَيه عجل الله تعالى فرجه الشريف".

خفق قلبي، أطرقت قليلاً، وأكملت المسير وأنا أتمتم في سرّي: "مجدّداً الأمر مرتبط بصاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف".

- هلا ضاهر - مجلة بقية الله