قصصه الشخصية

الشهادة خيرة

الشهادة خيرة "أمر ما"

قبل حوالي شهرٍ ونصف من استشهاده، أسرّ لنا بموضوع جعلنا نضحكُ مستغربين جداً من تعبيره، فهو فجأة قال لنا : " أشعر أني أنقرض! "، كانت تلك من اللحظات القليلة التي ظهرتَ على ملامحه ونبرته التعب، وفي نفس اليوم توافقنا على انتقاء عروسٍ له، واتفقنا معه أنه يجب أن يعقد قرانه في الصيف، فقد آن الأوان بأن نفرح به، خصوصاً وأنه وافق معنا أن لا يشارك بأي عمل يؤخره عن تقديم امتحانات السنة الأخيرة في الجامعة، ووعدنا أن يحمل شهادة الليسانس ليقدمها هدية لأمه.

وفعلاً، تعرّف الشيخ وسيم على صديقة لنا، ولم يسبق لنا قبل ذلك الوقت أن رأينا الفرح الطفولي في عينيه وتصرفاته، ولم نعرفُ من قبل كيف يمكن للإنسان أن يسابق شعور مجهول، فهو مستعجل ولم نعهده عجولاً، وقد استخار في موضوع الزواج خيرتين، الأولى له، والثانية لعروسه، فكانت نتيجة الأولى ممتازة، أما الثانية (لا تفعلْ لأمرٍ ما)، فحيّره الأمر، فنصحناه أن يتصدّق وينتظر أسبوعاً ليكرر الخيرة عند أحد العلماء في إيران، ولكنه حصل على ذات النتيجة. استبدتْ به الحيرة، وحيّرنا معه، فلم نعد نعرف كيف نخفف عنه، وكان قد حسم أمر عقد القران بحدود شهر آب أو أيلول، على أن يتصدّق بشأن الخيرة، ولكن القلق لم يسلبه السعادة التي أشرقَ بها وجهه، وهو يكرر لنا أنه وأخيراً سيخسّرنا ثمن باقة وردٍ كبيرة لزفافه، بعد أن كررنا أمامه ألف مرة " نريد أن نفرح بك قبل أن نموت"، فكانت إجابته الأخيرة لنا " ستعيشون مئة سنة وسأموت قبلكم! " 

نهار الاثنين في 10 تموز 2006 اتصل بي باكراً ليخبرني بأنه يريد أن يتصدّق صدقة يفرح بها صاحب الزمان(عج)، وبعد أن اتفقنا على صيغة الصدقة، ذكّرني بأنه يريد لهذه الصدقة أن تُشعر قلب صاحب الزمان(عج) بفرحة كبيرة. لم يخطر في بالنا أننا فجأة سنفقده، وأن نتيجة الخيرة التي أشارت إلى " أمرٍ ما" مقرونة بالشهادة، فهو ودعنا عبر الهاتف وطلب إلينا أن ننتبه على أنفسنا، وغاب عنا، ذلك الشابُ الذي اقتحم حياتنا بروية، لم نعرف كيف صار فجأة يضجّ فيها، كنا نشعر بأنه يريد أن يوصلنا إلى مكانٍ ما، وقد وصلناهُ وعرفنا كل أسراره، ولكنه تركنا هناك ورحل إثر غارة على مجموعة من المجاهدين في قرية صريفا، وقد استشهد الشيخ وسيم وهو يؤدي صلاة الليل. إنه ليعزّ عليّ أن أكتبَ عنكَ، وقد خلتُ لوهلةٍ أنك عندما تراني ستطالبني بقراءة " آخر مقال للمجلة".

* نسرين قازان - موقع التعبئة التربوية